"لا يكاد الفلسطينيون يستوعبون مأساةً أصابتهم حتى تعاجِلُهم أختها."
Joe Sacco, Footnotes in Gaza, New York, 2009: xi
ارتبطت المأساة والمقاومة بتاريخ الفلسطينيين منذ صدور وعد بلفور عام 1917، ولا غرابة في وجود علاقةٍ عضوية بين الانتفاضات العربية الراهنة والمقاومة الفلسطينية. غير أن الانتفاضات العربية قد أثرت في الفلسطينيين الذين لجؤوا إلى العالم العربي في أعقاب نكبة عام 1948. فكما حدث بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، كشفت الانتفاضات ما يتعرض له اللاجئون الفلسطينيون من انعدام الأمن وضياع حقوقهم الإنسانية بسبب افتقارهم إلى الجنسية. ومع موجة النزوح الحالية وفرار اللاجئين الفلسطينيين من سوريا تتكشف مأساةٌ جديدة.
تُقدِّر وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) في تقريرٍ أصدرته مؤخرًا حول حجم الأزمة أن 400,000 لاجئ فلسطيني ممن كانوا يُعيلون أنفسهم باتوا اليوم بحاجةٍ إلى مساعدة إنسانية. 1 لجأ من هؤلاء نحو 32,000 إلى لبنان، و4,500 إلى الأردن، وفرَّ بعضهم الآخر إلى تركيا والعراق ومصر. فتلك الجاليات التي لملمت نفسها بعد النكبة اندثرت مجددًا بين مشردٍ داخلياً في سوريا ولاجئ للمرة الثانية في البلدان المجاورة. ولغاية تاريخه، قضى ما بين 120 و200 فلسطيني نَحبه في الصراع الدائر، بينما أخذت دائرة الحرب الأهلية تشمل مخيمات اللاجئين أكثر فأكثر منذ كانون الأول/ديسمبر الماضي، وعددُ الضحايا آخذٌ في الازدياد. وكان من بين الضحايا العديدُ من موظفي الأونروا. لقد انجرت مخيمات اللاجئين كلِّها في سوريا إلى دائرة القتال فعليًا، حيث تتعرض لقصف القوات الحكومية والجيش السوري الحر على حدٍ سواء. وفي ظل زيادة الدعم العسكري المقدَّم من المناصرين الإقليميين والدوليين لكلا الطرفين، فإنه لا مَناص من ازدياد عدد اللاجئين الفارين من سوريا وعدد المشردين داخلها.
يكشف فرار السوريين والفلسطينيين المتزامن من سوريا عن مستويات متداخلة من التمييز دوليًا ووطنيًا ومحليًا. فقد تدفقت التبرعات الدولية لمساعدة السوريين النازحين، في حين أن الأونروا، التي تعاني عجزًا مزمنًا، تواجه صعوبةً في تأمين أموال طارئة لمساعدة الفلسطينيين النازحين. تدعو خطة استجابة الأونروا إلى جمع 26,85 مليون دولار أمريكي توفَّر منها ما مجموعه 19,04 مليون دولار حتى الآن. وبينما تقوم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يساندها لفيفٌ من المنظمات غير الحكومية وتمويلٌ دولي بمساعدة اللاجئين السوريين في لبنان، تُستَنفد قدرة الأونروا على مساعدة اللاجئين الفلسطينيين لدرجة أن المدارس التابعة لها اضطرت للتوقف عن قبول الأطفال القادمين من سوريا. وفي حين أن بعض المنظمات غير الحكومية الفلسطينية في لبنان تقدم أيضًا يد المساعدة للاجئين السوريين، فإن العكس ليس صحيحًا بالنسبة للمفوضية والمنظمات غير الحكومية اللبنانية. فقد خُصِّصت أماكن لإيواء اللاجئين السوريين، بينما اضطر الفلسطينيون إلى التزاحم في مخيمات كانت مكتظةً أصلًا، حيث تتشارك كل عائلتين أو ثلاث في مأوى واحد. ففي مخيم عين الحلوة ينام الناس على السلالم والشواطئ، بينما ينام البعضُ في مدارس الأونروا ويضطرون لمغادرتها أثناء النهار، وهناك من يتناوبون النوم.
أطلق محمود عباس عدة مبادرات لحماية الفلسطينيين في سوريا، حيث أرسل وفودًا إلى دمشق لالتماس الحياد للمخيمات، ودعا إلى السماح للاجئين باتخاذ ملاذٍ لهم في الأرض الفلسطينية المحتلة. غير أن إسرائيل رفضت هذا النداء ما لم يتنازل الفارون رسميًا عن حق العودة. إن فشل عباس في مسعاه يعكس افتقارَ السلطة الفلسطينية للسيادة على الأرض المحتلة، وافتقار الفلسطينيين إلى الحماية في ظل الظروف القانونية والسياسية الراهنة.
إن اختلاف مصائر اللاجئين السوريين والفلسطينيين الفارين من لهيب المعارك الدائرة في سوريا يُبرز الثمن الذي يدفعه الفلسطينيون جراء انعدام جنسيتهم. فالأردن قد سمح للاجئين السوريين بدخول أراضيه والتنقل فيها بحرية، في حين توقف عن استقبال اللاجئين الفلسطينيين في آب/أغسطس عام 2012؛ فضلاً على أنه يحتجز مَن سمحَ لهم بالدخول قبل ذلك التاريخ والبالغ عددهم نحو 4,500 لاجئ في سايبر سيتي قُرب الرمثا ولا يسمح لهم بمغادرة ذلك المكان إلا إذا أرادوا العودة إلى سوريا. وبالمثل، يسمح لبنان بحرية دخول اللاجئين السوريين إلى أراضيه، في حين أنه كان يسمح للفلسطينيين، حتى وقتٍ قريب، بالدخول فقط إذا كان لديهم أقارب في لبنان. وعند الدخول، يتعين على كل فلسطيني أن يدفع 17 دولارًا أمريكيًا من أجل الحصول على تصريح ينبغي تجديده كل ثلاثة أشهر. 2 وهذه الضريبة المرتفعة المفروضة على الإقامة المؤقتة غير مبررة نظرًا لكون لبنان لا يقدم خدمات عامة للفلسطينيين، ويستبعدهم من معظم مجالات التشغيل. بل إنها تمثل ضربًا من ضروب الإعادة القسرية التي أُنشئت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لتمنعها.
يعكس هذا التمييز بين اللاجئين السوريين والفلسطينيين الذي تمارسه الدول العربية المجاورة تمييزًا آخر على مستوى الأمم المتحدة. فولاية مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تستثني الفلسطينيين على وجه التحديد، حيث تختص بخدمتهم وكالةٌ أخرى هي الأونروا، علمًا بأن مهمة الأونروا لا تتضمن تقديم الحماية. فرغم أن المفوضية والأونروا تعملان معًا في إطار خطة الاستجابة الإقليمية لمساعدة جميع اللاجئين من سوريا، فإنه من غير الواضح إلى الآن ما إذا ستمارس المفوضية ولايتها الحمائية للضغط على الأردن ولبنان للتوقف عن عدم استقبال الفلسطينيين الباحثين عن ملاذ، أو لمنع المعاملة التمييزية. وكما يشير تيري رمبل، لا تملك أي وكالةٍ دولية ولايةً صريحةً للعمل على نحو ممنهج من أجل إعمال حقوق الإنسان الأساسية للاجئين الفلسطينيين. ويضيف: "لا يوجد في العالم أي مجتمعٍ للاجئين يعاني الاستبعاد على هذا النحو." لقد اضطلعت الأونروا بدورٍ أساسي في مساعدة الفلسطينيين في تجاوز نكبة 1948، ولكن الاعتقاد بأنها "ترعى" الفلسطينيين ككل ومن النواحي كافة قد أخفى إخفاقها وعجزها عن فعل ذلك.
يواجه اللاجئون الفلسطينيون الفارون من سوريا حيث كانوا يتمتعون بحقوقٍ متساوية مع السوريين من حيث الاستفادة من موارد الدولة، كالرعاية الصحية والتعليم، تمييزًا تمارسه الدولة والمجتمع في لبنان. فتلك أمٌ فلسطينية فرَّت مؤخرًا من سوريا تروي قصتها لصحافي وتقول: "أنا قلقة على الأطفال. فالفصل الدراسي بدأ والأونروا تخبرنا أن المدارس امتلأت. لقد كنا نخاطر الموت في بقائنا في سوريا، ولكن تكاليف الحياة هنا تجعل البقاء كالموت إنْ لم يكن أشد وطأة... تسمح الحكومة اللبنانية للاجئ السوري بالعمل والبقاء لستة أشهر وتجديد تصريحه مجانًا. فلماذا الوضع مختلفٌ بالنسبة للفلسطينيين؟"
أجبرت الأنظمة اللبنانية التي تمنع تشغيل الفلسطينيين العديدَ من اللاجئين الفلسطينيين على العودة إلى سوريا. ورغم أنهم لا يزالون يفرون من سوريا إلى لبنان، فلا يسعنا إلا أن نخمن كم بقي منهم يخاطرون الموت في سوريا بسبب ما سيواجهونه إذا ما لجأوا إلى لبنان. يتظاهر الفلسطينيون في مخيم عين الحلوة، وهو أكبر تجمعٍ لهم، من أجل الحصول على وظائف ومساعدات، ولكن ليس ثمة ما يشير إلى أن الدولة اللبنانية أو المجتمع الدولي يُصغي. يواجه آلاف اللاجئين الفلسطينيين الذين فروا من سوريا إلى لبنان هذه المفارقة القاسية يوميًا. وبالنسبة لهم، فإن وخامة التمييز وعدم المساواة في لبنان تماثل وخامة العنف في سوريا.
وقبل أن نلوم لبنان وسوريا على سياساتهما القاسية تجاه اللاجئين الفلسطينيين، علينا أن نتذكر أنه لو أصرت القوى العظمى على أن تُعيد إسرائيلُ اللاجئينَ بعد نكبة عام 1948 إلى ديارهم وفقًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 (كانون الأول/ديسمبر 1948) لَما كان لمشكلة اللاجئين وجودٌ اليوم، ولَما اضطُرت الدول العربية إلى التعامل معها. ولكن الدول العربية تعلمت أن تعاملَ الفلسطينيين كشعبٍ دون حقوق وطنية أو مدنية أو حتى إنسانية، كما تفعل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الأوروبي. وليس لهذه البلدان تاريخٌ أفضل من حيث التعامل مع اللاجئين. وفي هذا الصدد، يشير رمبل إلى أن الولايات المتحدة، أكبر دولةٍ مانحة لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قد أنفقت نحو 2 مليار دولار على المساعدات العسكرية المقدمة إلى الأفغان الذين حاربوا النظام المتحالف مع الاتحاد السوفييتي في أفغانستان في عقد الثمانينيات، ولكنها لم تقدم سوى 14 مليون دولارٍ فقط لإعانة 4.5 مليون لاجئ أفغاني سنة 1992.
إن نقص التمويل الذي تعاني منه الأونروا في الوقت الراهن والذي يعوق قدرتها على مساعدة اللاجئين الفلسطينيين الفارين من سوريا هو وجهٌ آخر من عدم اعتراف صانعي القرار داخل منظومة الأمم المتحدة بالحقوق الوطنية الفلسطينية. لقد كانت بريطانيا والولايات المتحدة القوتين الأكثر نفوذًا في التخطيط لوكالة الأونروا، ومن الواضح أن رؤيتهما لمهمة الوكالة اقتصرت على تقديم الدعم المؤقت ومن ثم إدماج اللاجئين في الاقتصادات العربية الأخرى. 3 وعلى هذا النحو يتلاشى الفلسطينيون، باعتبارهم شعبًا ذا حقوق قومية، من خلال احتضانهم في منظمةٍ إنسانية. ولا يزال لتركة هذه السياسة المفصلية تأثيرها إذ تنعكس في سياسات الدول العربية تجاه اللاجئين الفلسطينيين، حتى حين تزعم هذه الدول دعمَها "للقضية" الفلسطينية.
استقبل مخيم عين الحلوة الواقع بالقرب من صيدا، باعتباره المخيمَ الأكبر للاجئين الفلسطينيين في لبنان، أكبرَ عددٍ من الفلسطينيين الفارين من سوريا. واكتظت منازله باللاجئين. تُخبرني سارة أن منزل جارتها يؤوي 16 لاجئًا. وقد زُرت أم حازم، التي قَدِمت من مخيم اليرموك في كانون الأول/ديسمبر إلى منزل أبويها وأخيها في عين الحلوة. وهي امرأةٌ كبيرة في السن لا تفتأ تذكر أحداث نكبة 1948، حكت لي قصتها وبكت حين كانت تأتي على ذكر المواقف الصعبة التي واجهتها كخسارتها لمنزلها وفراق أحبتها وعدم اليقين إزاء العودة. وصفت لي كيف بقيت في مخيم اليرموك إلى "آخر لحظة" وكيف أنهم لم يخافوا حين اندلعت المعارك على أطراف المخيم، وحين قصف الطيران السوري المسجد. لم تقرر أم حازم الرحيل هي وزوجة ابنها والأطفال إلا عندما أخذت قذائف الهاون والصواريخ تتساقط من حولهم وبدأت المنازل القريبة تتهاوى. أمّا زوجها والعديد من أبنائها البالغين فبقوا في مخيم اليرموك، ولا يزال مصيرهم يؤرقها إلى حدٍ بعيد.
لم تغادر أم حازم ومن معها سوريا مباشرةً – "فمن يريد أن يترك بيته؟" - بل بقيت لفترةٍ من الوقت في شيح، وهي منطقة تقع على بعد ساعة بالسيارة من دمشق، على أمل أن ينتهي القتال. وفي أواخر كانون الأول/ديسمبر حين احتدم القتال في مخيم اليرموك، أقنعها شقيقها القاطن في مخيم عين الحلوة باللجوء إلى هناك. وكان قلقًا عليها إذ تعاني مرضَ القلب وكان يعتقد أنها ستحظى برعاية أفضل في لبنان. غير أن العجز المزمن الذي تعاني منه الأونروا يتجلى في محدودية الخدمات الطبية والتعليمية التي تستطيع تقديمها للاجئين الجدد. تحتاج أم حازم أدويةً لارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكوليسترول. أَرتني بضعة أقراص من الدواء ملفوفةٍ بمنديل ورقي كان طبيبها في سوريا قد حذرها من التوقف عن أخذها. غير أن هذا الدواء لا يتوفر في لبنان إلا في السوق الحرة بتكلفة باهظة، ولا تغطيها الأونروا.
سجلت الأونروا اسم أم حازم ومن برفقتها فورَ وصولهم إلى لبنان ووزعت عليهم بعض المساعدات الغذائية والبطانيات والفرش، ومنذئذ لم يروا شيئًا آخر. والآن لا يستطيع أبناء أم حازم البالغين العثور على عمل ولذا يُضطر أخوها إلى التكفل بنفقاتهم المعيشية كافة. وثمة شائعة يتداولها أبناء المخيم تفيد بأن الجزائر قد فتحت بابها للاجئين الفلسطينيين الفارين من سوريا. وأبناء أم حازم مستعدون للذهاب إلى أي مكان يجدون فيه عملًا، ممّا يعني المزيد من التفرق داخل أسرتها. وفي هذه الأثناء، يتعين عليهم تجديد تأشيراتهم كل ثلاثة أشهر في البلدية.
رغم تدفق الأموال الدولية إلى لبنان من أجل اللاجئين الفارين من سوريا، يقول الناس في عين الحلوة إنهم لا يرون المنظمات غير الحكومية التي تذهب إليها أموال المجتمع الدولي. ولا يتضح إلى أي مدى تُعزى هذه المشكلة إلى ضعف عمليات التنسيق والتوزيع في إطار جهود الإغاثة في حالات الكوارث أو إلى عواملَ تتميز بها لبنان ومنظماتها غير الحكومية. ولكن ثمة حقيقةً يتفق عليها كل مَن أقابلهم، سواء العاملون الاجتماعيون أو اللاجئون، مفادها أن المجتمعات المحلية الفلسطينية واللبنانية على السواء هي التي تُعيل اللاجئين من سوريا. ولولاها لقضى المئات وربما الآلاف بسبب نقص المأوى والغذاء، ولا سيما أثناء تدني درجات الحرارة والانجماد في شهر كانون الثاني/يناير. فعلى سبيل المثال، يقال إن في مخيم عين الحلوة تجمع اللجنة الشعبية المال من السكان لشراء الخبز وتوزيعه على اللاجئين. ولربما يستضيف نصفُ سكان المخيم لاجئين في مساكنهم. وتساعد التبرعات بين الجيران في تغطية بعض الفجوات. ومع ذلك، أقدَمَ أحد اللاجئين الفارين من سوريا على الانتحار في عين الحلوة مطلع كانون الثاني/يناير لأنه عجز عن جلب الطعام لزوجته وأبنائه الأربعة. وثمة انتقاد أسمعه مرارًا وتكرارًا بشأن خطة استجابة المفوضية وهو أن الجزء الأكبر من مخصصاتها يذهب إلى حلقات العمل والبرامج التدريبية التي تنفع العاملين بأجر بدلًا من أن ترفد المساعدات المادية المباشِرة المقدَّمة إلى مَن هم في أمس الحاجة إليها.
تبرز حاجة اللاجئين الماسة للمساعدات المادية من خلال احتجاجاتهم. فقد أخذ اللاجئون الفلسطينيون الفارون من سوريا في آذار/مارس "يقيمون" على مدار الساعة خارج مقر الأونروا في بيروت احتجاجًا على عدم توفر المسكن والرعاية الصحية والتعليم والغذاء. وكنداء لمساعدة المحتجين، بعث أبو مجاهد، مدير أحد مراكز الأطفال في مخيم شاتيلا للاجئين، برسالةٍ مؤرخة في 17 آذار/مارس قال فيها: "هطلت الأمطار ليلًا قبل يومين. ولم يكن لديهم ما يأويهم... وعندما أردنا أن ننقل الأطفال والنساء إلى منازلهم حتى الصباح، تفاجأنا بأن العديد منهم كانوا بلا منازل... لم يَعُد اللاجئون يصدقون ذرائع الجهات المانحة كعدم المعرفة أو أنها تعكف على إجراء تقييم الاحتياجات أو أنها تنتظر الاستجابة للنداءات التي أطلقتها. اللاجئون يعتقدون أن الحكومة معنيةٌ فقط بدعم الجماعات العسكرية والعصابات المشاركة في الحرب في سوريا." 4
يبعث الوضع العام على القلق لثلاثة أسباب أولها عدم وجود حلٍ للنزاع السوري في الأفق؛ وثانيها وقوع حوادث عديدة في مخيمات لبنان توحي باستنساخ النزاع السوري داخل المخيمات؛ وثالثها أن الأونروا لا ترزح تحت وطأة العجز المزمن في ميزانيتها وحسب وإنما تواجه احتمال خفض مساهمة الولايات المتحدة فيها ممّا سيكون له أثر كارثي. وبالإضافة إلى ذلك، ثمة حملةٌ تُشَنّ داخل الولايات المتحدة ضد الأونروا تصورها على أنها العقبة الرئيسية أمام "مفاوضات السلام" لأنها تحفظ حقوق اللاجئين وهويتهم.
وفي الوقت الذي كان فيه المفوض العام للأونروا، فيليبو غراندي، يزور واشنطن ليُبقي الأونروا حيةً في هذا الوقت العصيب، كانت مؤسسةٌ بحثيةٌ تدعى "منتدى الشرق الأوسط" تعقد مؤتمرها في نادي هارفارد بمدينة نيويورك حول "تغيير سياسة الولايات المتحدة تجاه الأونروا واللاجئين الفلسطينيين." ضم المشاركون في المؤتمر مبعوث إسرائيل لدى الأمم المتحدة، رون بروسور، وافتتح الفعالية دانيال بايبس القائمُ على حملةٍ تهدف إلى صياغة قانون أمريكي يُنهي الانتقال التلقائي لصفة اللاجئ إلى مواليد اللاجئين الفلسطينيين كما هو دارجٌ منذ 1948، انسجامًا مع مهمة الأونروا المتمثلة في إعانة اللاجئين إلى أن تُحلَّ مشكلتهم.
ما الذي يحمله المستقبل للاجئين الفلسطينيين الفارين من سوريا؟ تشير الاحتمالات للأسف إلى أن القتال في سوريا سوف يسوء، وسوف يتواصل استهداف مخيمات اللاجئين، وسوف يزداد عدد النازحين واللاجئين. لذا هناك حاجةٌ ملحة على المدى القصير إلى:
تقديم دعمٍ دولي أكبر للأونروا؛
تغيير مهمة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بما يسمح لها بتوفير الحماية للاجئين الفلسطينيين داخل سوريا وخارجها؛
ممارسة ضغوطٍ دولية على لبنان لإلغاء ضرائب الدخول والإقامة المفروضة على اللاجئين الفلسطينيين، والسماح لهم بالعمل. إن التمييز الممارس في لبنان ضد اللاجئين الفلسطينيين الفارين من سوريا يسترعي الانتباه إلى تاريخ لبنان الطويل الرافض لمنح الفلسطينيين اللاجئين إليه منذ 1947-1948 فرصَ عمل متكافئة وحق التملك العقاري. وينبغي لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن تكون مجهَّزةً للطعن في هذه السياسة لأنها ترقى إلى نظامٍ يقوم على الإعادة القسرية بمقتضى الأمر الواقع.
ومن الأهمية بمكانٍ أيضًا أن يُمارَسَ الضغطُ على النظام الذي سيقوم في سوريا بعد انتهاء الحرب الأهلية بغض النظر عن صفته لكي يسمح لجميع اللاجئين بالعودة إلى ديارهم وبإعادة إعمار المخيمات كافة. وبالإضافة إلى ذلك، ثمة حاجةٌ للتصدي للحملات المنبثقة من الولايات المتحدة والرامية إلى إعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني وإغلاق الأونروا من خلال زيادة وعي الأمريكيين بنكبة عام 1948، وهي مهمةٌ تتطلب تثقيف العامة عن طريق وسائل الإعلام، والتواصل في الجامعات، وبناء التحالفات، وتنظيم الفعاليات ضمن المجتمع المدني.
وأخيرًا وليس آخرًا، ينبغي للمجتمع الدولي أن يمارس الضغط على إسرائيل لتتوقف عن منع توطين اللاجئين الفلسطينيين الفارين من سوريا في الأرض الفلسطينية المحتلة من خلال فرض الشروط عليهم، ولتمكِّنهم من العودة فورًا. ولا بد أيضًا من النظر إلى ذلك باعتباره خطوةً أولى نحو عودة اللاجئين والمنفيين الفلسطينيين إلى ديارهم بعد طول انتظار في إطار حلٍ عادلٍ للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
يستند هذا التعقيب إلى محاضرةٍ أُلقيت في المعهد الدولي الثقافي في برلين بتاريخ 15 آذار/مارس 2013.
[يعاد نشره عن مجلة "الشبكة"]
ملاحظات:
1. من المصادر العامة التي استندت إليها هذه المقالة النشرةُ الأسبوعيةُ الصادرة من وكالة الأونروا بعنوان “[Syria crisis situation update]”
2. مقابلات أجرتها الكاتبة.
3. Ilan Pappe (1988), _Britain and the Arab-Israeli Conflict 1948-1951_. London: Macmillan
4. أُرسلت هذه الرسالة من بريد أبو مجاهد الإلكتروني بتاريخ 17 آذار/مارس 2013.